shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
تحالفوا مع الذي هو أقوى من أمريكا أو انبطحوا لإسرائيل 
  إفتتاحيات مجلة المثقف العربي

  العدد رقم(26 )    صدر بتاريخ (2003)

لم يكن في الألفية الثالثة مكانٌ لخيار ثالث فالعصر لم يعد فيه منطق مقبول لأي عاجزٍ عن النطاح, وتولى عصر الاستقلال السياسي والثقافي والاقتصادي عن الشعوب العربية والإسلامية قبل أن تذوق طعم الحرية, وقبل أن تجف دماء الكفاح ضد الاستعمار.

ها قد عاد من جديد حكم الانتداب إلى الأقطار العربية التي استيقظت من أحلام الوهم الكاذب المسمى بعصر الاستقلال وطرد الاستعمار, نعم لقد عادت إلى المنطقة القواعد العسكرية, والحكام المباشرون وغير المباشرين من الغرب.. غير أن الأقطار العربية كانت تكلف المستعمر القديم تكاليف مالية باهظة, ومصاريف مباشرة وغير مباشرة, أما المستعمر الحديث فهو الذي ينتظر دخلاً مالياً كبيراً من ثروات المنطقة البترولية, والخامات والغاز, حتى إنه قبل أن يقذف بقنبلته العنقودية أو صاروخه الديموقراطي على رؤوس أهالي المدن وأطفال المدارس فهو يسجل القيمة بسعر تجاري مغرٍ كدين عاجل على كاهل البلد وثرواته.

لم يعد أحد في الشعب العربي اليوم حزيناً على غروب أي نظام أو حاكم عربي, وكل الشعوب العربية على استعداد لا لتحطيم تماثيل وصور حكامها الظالمين ولكنها لو استطاعت فعلاً أن تنقض على رؤوس الحكام ذاتهم بفؤوسها, وأحذيتها, لا لأنها تحب الغزاة أو ترحب بهم بل هي أشد بغضاً وكراهية وحقداً على المستعمر المحتل ولكن لأنها في حالة من الغضب والإحباط, واليأس من حكام أضاعوا من عمر شعوبهم خمسة عقودٍ من الزمن في بناء سجون, وعداوات داخلية, وجيوش عاجزةٍ عن الدفاع عن أوطانها وقادرة على سحق شعوبها وجيرانها فقط. لأنهم بنوا قصوراً ولم يبنوا مجتمعاً حضارياً, لأنهم اهتموا بوسائل البقاء في السلطة وتوارثها ولم يهتموا بوسائل التحديث, وبناء المؤسسات وبناء الأنظمة والقوانين التي تضمن الاستقرار والحفاظ على دوام الاستقلال.

إنها فترة نصف قرن من الزمن, وعمر جيل كامل ضاعت هباءً منثوراً من عمر الأمة والشعوب العربية, فلم تتمكن العشائر والأحزاب الفردية الحاكمة أن تعمل شيئاً ينفعها ويحميها ويحمي شعوبها لا من بناء علاقات متينة مع الأقوياء, ولا استغلال حكيم لموارد وطاقات الشعوب, فكانت النتيجة القاسية الاكتشاف المفاجئ بأن إسرائيل تمكنت في نفس الفترة الزمنية من بناء نظامٍ وقانون ودولة ومؤسسات, بل واستطاعت أن تتغلغل في أعماق الدول القوية العظمى التي لا عقيدة لها ولا انتماء لدين, وتسيطر على عقول قياداتها, ومخططيها, وثرواتها, وجيوشها, وثقلها العالمي والدولي وتجنيدهم جميعاً ضد غثائية الغطرسة والجهل العربي والدكتاتورية العربية.

إن الولايات المتحدة الأمريكية التي قادت الفجيعة الكبرى اليوم بإعادة احتلال العراق, لم يكن بينها وبين العرب ثأر قديم, ولم يكن الشعب الأمريكي شريكاً في الاستعمار العربي القديم, ولا ضمن حشود الحملات الصليبية مع الغرب ضد المسلمين ولا يوجد رصيد حافل بالعداوات بين المسلمين والولايات الأمريكية بل لقد كان هناك رؤساء أمريكيون خارج دائرة السيطرة الصهيونية, كان لهم مواقف حاسمة مع العالم العربي وما زالت ذاكرة التاريخ العربي تسجل للرئيس الأمريكي (ايزنهاور) وقوفه ضد غزو إنجلترا وفرنسا وإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م, وما زال التاريخ العربي يذكر الموقف المتوازن إزاء قضية السلام بين مصر وإسرائيل للرئيس (جيمي كارتر), لكن الدولة الإسرائيلية الحديثة العقائدية ذات المؤسسات المخلصة للدولة وللشعب الإسرائيلي عملت عبر العقود الماضية على التغلغل العميق, والتخطيط الدقيق في قيادات المجتمع الأمريكي خاصة في طبقة قيادات الحزبين الكبيرين المتناوبين للسلطة, وسيطرت فكرياً وثقافياً على عقولهم ومفاهيمهم وقناعاتهم ودعمت مركزها بالسيطرة على عامة الشعب بشراء وسائل الإعلام والأقلام وتفرغت لامتلاك أصحاب القرار والقوة والتكنولوجيا في العالم, أصبحت أمريكا تعلن بصراحة على لسان وزير خارجيتها (كولن باول), بأن الحرب ضد العراق, وتدمير القدرة العسكرية العراقية لتحقيق الأمن الكامل لإسرائيل, وهذه الصراحة والوضوح لأهم أهداف الحرب يفترض أن نقدم لإسرائيل التهاني القلبية لامتلاكها هذه القوة العالمية التي تحارب في كل أرجاء العالم من أجل أمن إسرائيل.

وفي اليوم التالي من بداية الحرب الأمريكية ضد العراق استعرضت موقعاً على الإنترنت خاصاً بجريدة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية ورأيت نفس الصراحة والوضوح الذي سمعنا من وزير خارجية الولايات الأمريكية – باول- وتضيف الجريدة: إن إسرائيل قوة لم يعد بمقدور أي جيش عربي التحرش بها أو العدوان عليها بل والوقوف أمامها فيما لو هاجمت أي هدف عربي في أي قطر شاءت ولم يعد مخوفاً عليها إلا من خطرين فقط:
الأول: خطر أسلحة الدمار الشامل الذي يمكن للحرب ضد العراق أن تجازف بالتوقف دون تحقيق سيطرة كاملة على القدرات العسكرية العراقية التي تحتمل أن يكون ضمنها أسلحة دمار شامل.
والخطر الثاني هو خطر الإرهاب من الانتحاريين الفلسطينيين وهذا الخطر سيكون بالإمكان السيطرة عليه بمجرد الانتهاء من الاستيلاء على العراق, وإن الخطر المحتمل قد يأتي بعد العراق من إيران, وسوريا, وباكستان, ولا تعتبر إسرائيل دولتها آمنة حتى تتخلص من رعب أسلحة هذه الدول.
إن الذي يمتلك القوة الضاربة, والمال الغزير, والقناعة الفكرية لا يهمه أن نشتمه ونقول له( إن وجهك قبيح) أو إنك مكروه في قلوب الناس.) إن اللغة الوحيدة التي يعرفها القوي مع الضعفاء هو التخيير في أمرين لا ثالث لهما:
الأول: المبارزة والنطاح وهذا ما اختاره صدام حسين .
والثاني: الاستسلام والانبطاح, وهذا ما اختارته الأنظمة العربية الأخرى.

سيظل الوطن العربي محكوماً بالفكر الاستعماري العسكري إما من خلال الوجود الأجنبي المباشر بإدارة ( جي غارنر) وإخوانه المقربين من الصهيونية العالمية. وإما من خلال الأنظمة العربية الحاكمة القائمة الواقعة تحت إرهاب الوجود العسكري الأمريكي الذي جاء لخدمة أمن وسياسة إسرائيل أو بأنظمة أخرى أكثر سمعاً وطاعة وقرباً من إسرائيل حتى يعود للأمة العربية المسلمة الأمير عبد القادر الجزائري وعز الدين القسام, وعمر المختار, وإخوانهم ممن قاتلوا على الخيول بالسيوف, وماتوا فقراء جياعاً ومشنوقين, مع يقيننا أن أي قوة عظمى في العالم لا بد أن تغرب شمسها ولو بعد قرون, بعد أن ترتكب من الظلم والقهر ما يكفي مهراً لزوالها وفي التاريخ ألف مثال, وتبقى الشعوب والأجيال عبرة لمن اعتبر.
إننا نطالب أنظمتنا العربية المنهزمة أن تغير من لغتها المملولة, وأساليبها الفاشلة, ومؤتمراتها العاجزة فقد مللنا وشبعنا إلى درجة الغثيان من المؤتمرات الحافلة بعبارات: يناشد ويناشدان ويناشدون ويطلب ويطلبان, ويؤكد ويؤكدان, ويشجب ويشجبان.
ومؤتمرات لا تنفع فعدمها لا يضر, وعالمنا العربي مجروح القلب لا يحتمل مزيداً من الجراح, خاصة وأنَّ سوريا اليوم وإيران على بوصلة العدوان.
وعلى كل نظام عاجزٍ عن النطاح أن يكتفي بسرقة كافية من أموال شعبه لما يكفي حتى الجيل العاشر من سلالته ويغادر محفوفاً بالهتاف والتصفيق خير من قيادة توصل الأمة إلى الاحتلال العسكري وضياع الأوطان.

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com